وكالة انباء فيلي نيوز
أكراد سوريا
لمحة تأريخية
يمثل أكراد سوريا ثاني أكبر مجموعة عرقية في سوريا بعد العرب، ولا يعرف على وجه اليقين العدد الفعلي لهم في ظل غياب أي إحصاءات رسمية. وتتراوح التقديرات غير الرسمية لأعدادهم ما بين مليون ومليونين، وبعض المصادر المقربة من الأكراد ترفع تلك التقديرات إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة من أصل أكثر من 23 مليونا هم عدد سكان سوريا. وبموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التي أعادت تقسيم بلدان العالم الإسلامي فقد أصبح جزء من الشعب الكردي ضمن الدولة السورية كجزء هام ومكون أساسي من مكوناته. ويقطن الأكراد بشكل أساسي في ثلاث مناطق ضمن الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق من أهمها منطقة الجزيرة بمحافظة الحسكة، وعفرين بشمال حلب، وعين العرب (منطقة كوباني). وقد شهدت المناطق الكردية هجرات في العقود الماضية إلى العاصمة دمشق وإلى كبريات المدن السورية، وحتى إلى خارج البلد بحثا عن فرص أفضل في التعليم والعمل. وتقيم أعداد كبيرة من الأكراد في مناطق الريف السوري للاشتغال بالزراعة والرعي، والغالبية الساحقة من الأكراد مسلمون سنة يتبعون المذهب الشافعي.
كانت جميع المعطيات تشير عشية الحرب العالمية الأولى 1914-1918 إلى أن أيام الامبراطورية العثمانية قد باتت معدودة، الأمر الذي أدى بكل طرف إلى شحذ الهمم والدخول في مفاوضات سرية، علنية، ثنائية، متعددة الأطراف؛ وذلك بغية الحصول على قسط من الميراث المغري. أما بالنسبة لكردستان،، فقد كانت مقسمة آنذاك بين الإمبراطورية العثمانية والدولة الإيرانية وريثة الإمبراطورية الصفوية (بموجب جالديران 1514). كان القسم الأكبر منها خاضعاً للإمبراطورية العثمانية التي انهزمت في الحرب، هذا القسم الذي غدا – شأنه شأن بقية المناطق التي كانت خاضعة للإمبراطورية المعنية – موضوع مناقشات ومفاوضات طويلة معقدة رافقت وأعقبت الحرب.
الوضع بالنسبة لكردستان سوريا كان هو الأكثر إيلاماً، إذ ألحقت بموجب الاتفاقية الإنكليزية- الفرنسية الخاصة بالحدود العراقية – السورية، والاتفاقية الفرنسية – التركية بشأن ترسيم الحدود التركية – السورية، ثلاث مناطق كردية بسوريا الكيان السياسي الحديث، هذه المناطق تبدو منفصلة بعضها عن بعض إذا ما نظر إليها المرء من الجنوب، لكنها من الشمال والشرق ترتبط بصورة عضوية بكردستان تركيا وكردستان العراق، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى مدى اعتباطية التقسيم الاستعماري للمنطقة، والبعد الكارثي للنتائج التي ترتبت عليه، هذه النتائج المتفاقمة حتى يومنا هذا.
المجتمع الكردي السوري:
المجتمع الكردي السوري في أصوله مجتمع ريفي- عشائري زراعي مع بؤر حضرية إذا صح التعبير. وذلك نتيجة واقع التقسيم الذي حصل في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى كما أسلفنا من قبل. ولكن الواقع الجديد دفع بسكان المنطقة إلى الاستقرار الزراعي بصوة أشمل، كما أدى في الوقت ذاته إلى ظهور تجمعات سكانية جديدة، سرعان ما تحولت إلى مدن، حلت مكان المدن التي ظلت في الجانب التركي وذلك لتلبية احتياجات المنطقة من جهة، وتلبية متطلبات سلطات الانتداب الفرنسية الأمنية والإدارية منها والاقتصادية. ولكن الطابع العشائر ظل له وزنه لبعض الوقت.
المجتمع الكردي بصورة عامة مجتمع متدين محافظ، ولكنه غير متزمت، ويتجلى ذلك في حالة الاختلاط بين الجنسين في المناسبات الاجتماعية والمواسم الزراعية والحياة العامة، وحتى في العمل السياسي. ربما الصورة تختلف من منطقة إلى أخرى، ولكن الاتجاه العام غير المتشدد هو السائد. ولعله من اللافت هنا أن نلاحظ خلو المجتمع الكردي تقريباً من ظاهرة الإسلام السياسي. وبالتوافق مع هذا التوجه، يتسم المجتمع الكردي بانفتاحه على أتباع جميع الأديان والمذاهب الأخرى. واحترامه لدور العبادة الخاصة بهم، واحترام المناسبات والطقوس الدينية الخاصة بهم. بل هناك مشاركة اعتيادية في الكثير من هذه المناسبات.
القضية الكردية – السورية:
المسألة الكردية أوالقضية الكردية – وهو المصطلح المستخدم من قبل الأحزاب السياسية الكردية- في سوريا هي حصيلة تفاعل نتائج التقسيم الاعتباطي الذي تعرضت له منطقتنا بعد الحرب العالمية الأولى مع عجز الحكومات السورية المتعاقبة، خاصة في مرحلة حكم البعث الطويلة نسبياً، من التأسيس لمشروع وطني سوري، كان من شأنه طمأنة كل المكونات السورية، عبر الاعتراف بخصوصياتها، وحقوقها، خاصة حقها في المشاركة الفاعلة في الحكم ومؤسسات الدولة، والاستفادة من مشاريع التنمية، وامتلاك الفرصة العادلة لتطوير ثقافتها وفعاليتها المجتمعية، واستخدام لغتها في التعليم والنشر ووسائل الإعلام. فقد استمر النظام البعثي، خاصة في المرحلة الأسدية، في عناده واصراره على رفض الاعتراف بالوجود الكردي في سورية، متجاهلاً حقائق التاريخ والجغرافيا، ولم يكتف بذاك الرفض الايديولوجي اللاتاريخي، بل طبق كل المشاريع العنصرية التي كان يريد من خلالها تحقيق صيغة من المواءمة بين تطلعاته العقائدية والواقع العياني على الأرض. ونشير هنا على سبيل الذكر لا الحصر إلى مشاريع الحزام والإحصاء والتعريب القسري، والقوانين والمراسيم الخاصة بالمناطق الكردية.
وكل ذلك أسهم في تعقيد الوضعية، ولكن بقيت القضية قائمة فاعلة من دون أي حل.
وفي يومنا الراهن باتت هذه القضية تطرح بحدية ضبابية لافتة في ضوء المتغيرات الجديدة. وباتت ورقة يستخدمها الآخرون لبلوغ مأربهم بمنأى عن الكرد والسوريين عموماً.
ولكن في جميع الأحوال تبقى القضية الكردية في سوريا قضية وطنية سورية اساسية رغم أبعادها الإقليمية والدولية. وحلها الأمثل لن يكون إلا عبر المشروع الوطني السوري المتكامل الذي يطمئن الجميع، ويعزز اجراءات الثقة بصورة واقعية لا مجاملاتية خاوية. مشروع يعترف بالحقوق والخصوصيات، ويقطع مع المقاربات العقيمة التي كانت حتى الآن. فالمسالة في جوهرها ليست مسألة الأحقية والأقدمية، بل هي مسألة المكون السوري الثاني من جهة الحجم السكاني الذي كان باستمرار موضوعاً للنبذ والقهر والتغييب والصهر.
المصدر:
https://www.medaratkurd.com/…/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%…/